ترجمة : قراءات إفريقية (*)
حظيت سيراليون بحصة أكبر من حجمها فيما يخص المصائب في ماضيها القريب، مثل الكوارث الطبيعية وانتشار مرض الإيبولا بالإضافة إلى حكوماتها المصابة بداء الاختلاس. ولكن مع كل تلك التحديات الضخمة، كيف استطاعت حكومة جولياس مادو بيو التي عمرها عام واحد أن تتأقلم معها؟
لقد مر عام منذ أن تقلد رئيس سيراليون الحالي جوليوس مادا بيو منصبه في تلك الدولة الغنية بالمعادن، ولكنها في الوقت ذاته لا تزال فقيرة للغاية، في غرب إفريقيا يقطنها 7.5 مليون نسمة، وسنحاول أن نقيم في هذا المقال لماذا كان أداء الرئيس السابق بهذا الشكل.
فقد كان العام 1996 عندما سلم العميد بيو، الذي كان عضوا في المجلس العسكري بعمر الثانية والثلاثين آنذاك، السلطة لحكومة مدنية منتخبة ديموقراطيًا، عندما قام مجلسه، مجلس الحكم الوطني الانتقالي، بتنظيم انتخابات متعددة الأحزاب في تلك البلاد التي تعرضت لمذابح وحشية في حرب أهلية حصدت أرواح ما يقرب 50 ألف شخص، كما دمرت اقتصادها المعتمد على التصدير.
وبعد كل تلك التحديات، يمكن للمرء أن يتخيل كمّ المجهود الذي ينبغي على الحكومة أن تقوم به من أجل أن تُحدث ولو أثرا ضئيلا لحل للمشكلات الموروثة من الرئيس السابق إيرنيست باي كوروما، الذي لم يكن يبالي بفعل أي شيء على الإطلاق لشعبه البائس.
ومثل الحكمة التي تقول أن رؤيتك للكأس سواء لنصفه الملآن أو الفارغ تعتمد على تصورك، فإن الأوضاع في البلاد كانت مأساوية للغاية، فقد ورثوا اقتصادا سيئ الإدارة تم نهبه بصورة منظمة في أثناء فترة هيمنة كوروما التي امتدت لعقد من الزمان وحزبه “مؤتمر كل الشعب”، حيث ترك البلاد مدينة بأكثر من 3.7 مليار دولار.
وأضف إلى ذلك أن جسم السياسة نفسه كان معتلاً، بعد أن أكله أيضًا وباء الإيبولا والانهيارات الطينية التي دمرت مجتمعات بكاملها، وحصدت أرواح الآلاف، بالإضافة إلى خدمات الرعاية الصحية السيئة للغاية، ونظام تعليم ميت سريريًا، وعنف سياسي بين الأحزاب، وأخيرا وليس آخرا، انتشار وباء العنف الجنسي ضد النساء والفتيات.
وفوق كل ذلك الكأس المسموم لا تزاء أصداء الصراع العرقي الذي دمر البلاد تخيم على المشهد السياسي، والمعروفة هنا باسم حرب التمرد 1991 – 2002.
العمل الدؤوب من اليوم الأول:
ومن ثم فلم تكن مفاجأة للكثيرين عندما بدأ الرئيس الجديد فترته بالعمل الجاد والدؤوب عندما تسلم حكمه في الثامن من أبريل من العام الماضي، فطبقا لوعوده الانتخابية، قام بعمل تحقيق شامل في الفساد وسوء الإدارة في حكم النظام السابق. ومن أجل غلق كل منافذ الفساد في حكومته، قام بعمل إجراءات من أجل مراقبة كل عائدات حكومته ووضعها في حساب بنكي واحد محمي.
وطبقا لتامبا جي لامينا، المفوض العام لسيراليون في تصريحات له من لندن، فإن تلك السياسة اثبتت نجاحها الكبير لدرجة أنه لا توجد خطط حالية لتغييرها: “فبفعلنا ذلك، اصبحت الحكومة قادرة على دفع رواتب العمال بدون الحاجة الى الاستدانة، وقد تم هذا في العام الماضي كله، واصبحنا قادرين على خدمة الدين المحلي. إن ذلك لا يعني أن سيراليون لا تستطيع جني عائدات، فالعائدات موجودة، ولكنها كانت تذهب إلى جيوب الخاصة”، وذلك في حواره مع موقع “نيو أفريكان”[1]، مضيفا أن ذلك يحدث لأول مرة منذ وقت طويل أن تستطيع الحكومة بصورة ممنهجة وثابتة أن تدفع رواتب المسئولين الحكوميين في وقتها.
وقد جعلت حكومة الرئيس بيو التابعة لحزب الشعب السيراليوني التعليم والرعاية الصحية من أهم دعائم استراتيجيتها، ببرامج رائدة تعمل على مجانية التعليم الأساسي والثانوي، كما أنها استطاعت بالفعل إنشاء جامعتين جديدتين تهدفان إلى تنمية العلم والتقنية، بالإضافة إلى ما يقرب 48 مركزا صحيا جديدا عبر البلاد.
ولكن بصرف النظر عن مدى التقدم في تلك السياسات والمبادرات، فإنها ستصبح هي والعدم سواء إذا لم تصبح تلك الاستراتيجية متجذرة ومتعددة الاطراف ومتماسكة للتنمية من أجل الدولة ككل.
وقد أعلن الرئيس بيو في فبراير الماضي عن طموحاته بإنشاء خطة قومية بقيمة 8 مليار دولار، ستكون من ضمن أولوياتها التأكيد على الحكم الرشيد وتنمية رأس المال البشري والبنية التحتية، وزيادة الإنتاج الزراعي وبخاصة الأرز، الذي يعد الغذاء الرئيس. كما أعلن الرئيس أنه سيعتمد كذلك على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتحقيق أهدافه التنموية، بالرغم من الانتقادات لتلك المؤسسات؛ حيث يقول الرئيس بيو: “إن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعدان من الشرور ولكنها ضرورية، لأننا لا نستطيع أن نحقق عائدات كافية لنستطيع أن نحقق أهدافنا في الداخل، وكذلك لكي نطلق عملية التنمية الخاصة بنا”.
وقد كان رد فعل صندوق النقد الدولي دافئًا تجاه حكومة بيو، على عكس علاقته الصعبة مع الحكومات السابقة.
ودولة سيراليون غنية بالمصادر المعدنية مثل الألماس والبوكسيت وخام الحديد، كما أن الله حباها كذلك بمصادر بحرية بالإضافة إلى تربة خصبة. وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي كانت الدولة تستورد كل احتياجاتها من الأرز، وحتى في الثمانينيات، فإن محاصيلاً مدرة للربح مثل الكاكاو والقهوة كانت تدخل رصيدا كبيرا من العملة الاجنبية. ولكن كما يقول المواطنون وكذلك الخبراء فإن تلك الدولة التي أفقرت عمدا لا يوجد لديها أي سبب ليجعلها تستمر في الفقر.
وقد استطاع ذلك الرجل وهو عسكري سابق أن يحظى بقدر كبير من التفاؤل بين المواطنين في البلاد، وخلق شعورا قويا بأن البلاد في النهاية حصلت على قائد يدير أمورها، مقارنة بالمشاعر السابقة بأن البلاد كانت تنحدر في عهد الرئيس السابق.
فيقول ليفي فوتانا الذي يسكن مدينة فريتاون: “لقد جاء الرئيس بيو في الوقت المناسب، فالناس في سيراليون تعرضوا لكذب كبير من الحكومات السابقة، وجعلونا دولة مفلسة كان النصابون فيها يرتدون ثياب السلطة وسرقوا ونهبوا وأساءوا استخدام السلطة بدون أي حساب”. ومن وجهة النظر تلك فإن الحكومة الجديدة فعلت ما فيه الكفاية في عامها الأول لإظهار عزيمتها وتصميمها على تنفيذ أهدافها.
العنف ضد المرأة:
ولكن هناك أيضًا تحديات، ليس أقلها هو دائرة العنف الصادمة ضد المرأة والفتيات الصغار. فتشير الإحصاءات أنه من بين 632 حالة في 2012، فإن الرقم ارتفع إلى 8505 حالة في 2018. كما أن أكثر من 70% من تلك الحوادث كانت عبارة عن اغتصاب أو اعتداء جنسي ضد فتيات تحت 15 عاماً.
وربما أن الحكومة الحالية قد ورثت تلك التركة المثقلة بالمشكلات، ولكنها لا تستطيع أن تنكر أنها تفاقمت أمام أعينها. وقد حاولوا أن يقضوا على تلك المشكلة في فبراير الماضي عندما أعلنوا عن إعلان حالة طوارئ الوطنية، ومعاقبة المنتهكين للفتيات القصر بالسجن مدى الحياة.
وفي الوقت ذاته، وفي أعقاب إنهاء تحقيقات الفساد فإن بيو عين فور تقلده منصبه لجنة بقيادة قاض للتحقيق والبدء في سماع الأدلة ضد المسئولين في الإدارة السابقة المتهمين بالفساد وسوء الإدارة، من بينهم نائب الرئيس السابق فيكتور فوه ووزير التعدين الأسبق مينكايلو مانساراي، واللذين عرضا أن يعيدا الأموال التي حصلا عليها بطريقة غير شرعية. وقد قوبلت تلك الأنباء بابتهاج دولي من الناس الذين شعروا أنهم قد خدعوا من الرئيس السابق كوروما وحكومته من شركائه الفاسدين.
وفي النهاية، فإن الاتجاه الجديد لحكومة الرئيس بيو سوف يحكم عليها بمدى نجاحها في خطته الخمسية المسماة خطة التنمية الوطنية، التي كشف عنها مؤخرًا، والتي وافق عليها صندوق النقد الدولي، ومدى قدرتها على معالجة عشرات المشكلات التي لا تزال تؤرق تلك الدولة الغنية ولكنها في الوقت ذاته فقيرة إلى حد اليأس.
(*) يمكن الاطلاع على النص الأصلي للحوار من هنا