د. صبحي رمضان فرج (*)
تُشَكِّلُ السدودُ أحدَ أهمّ مظاهر التدخّلِ البشري في البيئة النهرية؛ إلا أنها - برغم ذلك - تُعَدُ ضرورة حياتية وتنموية للكثير من سكان هذه البيئات؛ فوفقاً لبياناتِ (اللجنة العالمية للسدود W.C.D) يَعتمدُ ما يتراوحُ بين 30-40% من الأراضي الزراعية بالعالم على السدود.
هذا بالإضافة إلى ما تسهمُ به تلك السدود (قرابة 50 ألف سدٍّ كبير بالعالم) في مجال الطاقة الكهرومائية؛ حيث تُسهم بنحو 19% من جملة الإنتاج العالمي للطاقة (2.650 تيراوات/السنة)، فضلاً عن توفيرها مصدراً منتظماً لمياه الشرب النقية (1).
ولا شكَّ أنَّ السدودَ الكبيرة لها دورٌ كبيرٌ في تعديل هيدرولوجية الأنهار المقامة عليها، كذلك للسدود أثرُها في جيومورفولوجيةِ النهر، حيثُ تَحْرِمُ قطاعَ المجرىَ الأدنىَ للنهر من حمولة الطمي التي يرسّبُها السدُّ أمامه؛ وهو ما يتسبّب في رفع قدرة النهر - بهذا القطاع - على نَحْرِ قاعِهِ وجوانبه؛ لتعويض ما فقده من رواسب.
هذا، إلى جانب أنها تُحدث تغييرات عظيمة بالحالة البيولوجية للنهر؛ إذ تشهد البحيرة الناشئة أمام السدّ نُموَّ كائناتٍ جديدةٍ، وفي مصرَ كان للسدّ العالي تأثيراته البيولوجية بمصبّ النهر والنظام البيئي الساحلي؛ فقد تناقصتْ كمياتُ الصيد من السردين بنسبة 95% (2)، كما تناقص العدد الإجمالي للأنواع إلى 25 نوعاً بعد بناء السدّ مقارنة بــ 72 نوعاً قبل بنائه (3).
كما أنّ هناك العديد من التداعيات الاجتماعية لإنشاء السدود، أبرزها التهجير، وقد تراوح عددُ النازحين نتيجةً إنشاءِ السدود بالعالم ما بين 40 - 80 مليون نسمة (4)، وقد تسبّب إنشاءُ السدِّ العالي في تهجير 100 ألف نسمة من سكان النوبة خلال الفترة (1963م - 1969م) (5)، بالإضافة إلى التأثيرات الصحية نتيجة الأمراض المُوَلَّدة والمنقولة عن طريق وسائط ترتبط ببيئة المياه الواقعة تحت تأثير مشروعات التنمية.
أولاً: المشروعات المائية ومتطلبات التنمية بدول حوض النيل:
تشترك في مياه الحوض إحدى عشرة دولة، هي: (إثيوبيا، كينيا، أوغندا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، الكونغو الديموقراطية، إريتريا، السودان، جنوب السودان، مصر).
أ - حالة التساقط (المطر) بقطاعات حوض النيل:
يمتد حوض النيل من الجنوب إلى الشمال، عبرَ ما يزيد على 35 درجةً عَرْضيةً؛ وهو ما أسهَمَ في تفرِّدِ النهرِ وحوضِهِ من الناحية الإيكولوجية؛ لِمَا اشتمله من أنماطٍ بيئيةٍ متنوعةٍ، ومناطق مناخية ونباتية متعدّدة.
شكل (1)
معدلات سقوط المطر بحوض النيل (مم/ سنة، عن : Camberlin, P., 2009 ).
وقد بلغ المتوسط العام للتساقط داخل الحوض (615) ملليمتراً/سنوياً، يرتفع في كينيا والكونغو إلى (1260 و 1245) ملليمتراً، ويصل إلى (1140 و 1125) ملليمتراً في أوغندا وإثيوبيا، وإلى (1110 و 1105 و 1015) ملليمتراً في بوروندي ورواندا وتنزانيا - على التوالي - (انظر: شكل 1)، بينما ينخفض إلى 520 ملليمتراً في إريتريا، ويتدنى شمالاً إلى 500 ملليمترٍ في السودان، و 15 ملليمتراً فقط في مصر (6).
ب - السدود والخزانات المائية القائمة:
أُنشئت العديد من المشروعات المائية على النهر، لتخزين المياه أو لتلبية الاحتياجات المائية، وكان من أهمها: (سدّ أوين، جبل الأولياء، الروصيرص، سنار، خشم القربة) (انظر: جدول 1).
وفي مصر تعددت مشروعات الضبط والتخزين المائي، وكان أهمها على الإطلاق: (خزان أسوان، والسدّ العالي)، بُني الأول عام 1902م، بسعةٍ تخزينيةٍ مليار م3، وتمت تعليته مرتين: عام 1911م، وعام 1926م، لترتفع سعته التخزينية إلى 5.5 مليارات م3.
أما السدّ العالي (7)؛ فيُعدّ أكبر مشروع مائي على النهر، افتُتح عام 1971م، وهو من النوع الركامي، وأقصى منسوب للمياه المحجوزة أمامه في بحيرة ناصر 183 متراً، حيث تبلغ سعةُ البحيرةِ التخزينية - عند هذا المنسوب - 169 مليار م3، وتنتج المحطة طاقة كهربائية تصل إلى 2100 ميجاوات.
جدول (1)
السدود والقناطر الرئيسة: (المكتملة، والجاري إنشاؤها، والمخطط لها)، بحوض النيل
الدولة |
السد |
النهر |
تاريخ بدء التشغيل |
الطاقة: ميجاوات |
من 1900م حتى 1970م |
||||
مصر |
قناطر أسيوط |
المجرى الرئيس |
1902م |
الري |
مصر |
قناطر إسنا |
المجرى الرئيس |
1908م |
الري |
مصر |
قناطر نجع حمادي |
المجرى الرئيس |
1930م |
الري |
مصر |
سدّ أسوان القديم |
المجرى الرئيس |
1933م |
- |
مصر |
السدّ العالي |
المجرى الرئيس |
1970م |
2100 |
إثيوبيا |
تيس آباي |
بحيرة تانا |
1953م |
12 |
السودان |
سنار |
النيل الأزرق |
1925م |
48 |
السودان |
جبل الأولياء |
النيل الأبيض |
1937م |
18 |
السودان |
خشم القربة |
العطبرة |
1964م |
35 |
السودان |
الروصيرص |
النيل الأزرق |
1966م |
60 |
أوغندا |
أوين |
النيل الأبيض |
1954م |
180 |
من 1970م حتى الآن |
||||
إثيوبيا |
تكزي 5 |
تكزي |
2009م - 2010م |
300 |
السودان |
مروي |
المجرى الرئيس |
2009م - 2010م |
1250 |
إثيوبيا |
فنشا |
فنشا |
1971م - 2013م |
134 |
إثيوبيا |
تشارا تشارا |
النيل الأزرق |
2000م |
84 |
إثيوبيا |
كوجا |
النيل الأزرق |
2008م |
الري |
إثيوبيا |
تانا بليز |
النيل الأزرق |
2011م |
460 |
كينيا |
سونحت ديو ميريو |
فيكتوريا |
2007م |
60 |
أوغندا |
كييرا |
النيل الأبيض |
1993م - 2000م |
200 |
تحت الإنشاء |
||||
السودان |
تعلية الروصيرص |
النيل الأزرق |
2013م |
- |
السودان |
بيردانا |
العطبرة |
- |
135 |
السودان |
ريوميلا |
العطبرة |
- |
135 |
السودان |
الشيريك |
المجرى الرئيس |
- |
300 |
إثيوبيا |
فان (FAN) |
فنشا |
2011م |
- |
إثيوبيا |
تكزي (II) |
تكزي |
2020م |
- |
إثيوبيا |
ميجيش |
أباي |
- |
الري |
إثيوبيا |
ريب |
أباي |
2011م |
- |
إثيوبيا |
سدّ النهضة (الألفية) |
النيل الأزرق |
2017م |
6000 |
رواندا |
نيابارونجو |
نيابارونجو |
2011م |
27.5 |
أوغندا |
بيوجاجلي |
النيل الأبيض |
2011م |
250 |
السدود المقترحة |
||||
الكونغو |
سميليكي |
سميليكي |
- |
- |
إثيوبيا |
جيما |
جيما |
- |
- |
إثيوبيا |
كارادوبي |
النيل الأزرق |
2023م |
1600 |
إثيوبيا |
بوردر |
النيل الأزرق |
2026م |
1400 |
إثيوبيا |
مابيل |
النيل الأزرق |
2021م |
- |
إثيوبيا |
بيكو أبو |
النيل الأزرق |
- |
2000 |
إثيوبيا |
مندايا |
النيل الأزرق |
2030م |
1700 |
إثيوبيا |
شيمودا/ ييدا |
شيموجا |
2015م |
278 |
إثيوبيا |
بارو I&II |
السوباط |
- |
- |
السودان |
نيمالي |
النيل |
- |
- |
السودان |
دال-1 |
النيل |
- |
400 |
السودان |
كاجبار |
النيل |
- |
300 |
جنوب السودان |
بيدين |
بحر الجبل |
- |
- |
جنوب السودان |
شكولي |
بحر الجبل |
- |
- |
جنوب السودان |
لاكي |
بحر الجبل |
- |
- |
جنوب السودان |
فيولا |
بحر الجبل |
- |
- |
أوغندا |
اسمبا |
النيل الأبيض |
2015م |
87 |
أوغندا |
كلاجالا |
النيل الأبيض |
2011م |
300 |
أوغندا |
كاروما |
النيل الأبيض |
2017م |
200 |
أوغندا |
مرتشيزون |
النيل الأبيض |
- |
600 |
أوغندا |
أياجو الشمالي |
النيل الأبيض |
2018م |
304 |
أوغندا |
أياجو الجنوبي |
النيل الأبيض |
- |
234 |
رواندا |
كيكاجيت |
كاجيرا |
2016م |
10 |
رواندا |
نيابارونجو |
كاجيرا |
2012م |
27 |
رواندا - تنزانيا - بوروندي |
ريسيمو I&II |
كاجيرا |
2012م |
60 |
كينيا |
جورونجا- ماشوفي- كيلجورس |
مارا |
- |
- |
كينيا |
إيواسونجيرو |
مارا |
2012م |
180 |
Source:
Conniff, K., et al., Nile water and agriculture Past, present and future, In: Awulachew, S.B., et al., The River Nile Basin-Water, Agriculture, Governance and Livelihoods, Routledge, London and New York,2012, pp.22-23. (With Modification)
ومن أحدث المنشآت الهيدروليكية التي اكتمل إنشاؤها على نهر النيل:
- (سدّ مِرْوِي): بالولاية الشمالية للسودان (350 كم من الخرطوم)، اكتمل عام 2009م، ويولّد طاقة كهربائية قدرها 1250 ميجاوات، ويساهم في زراعة حوالي 300 ألف هكتار.
- ومشروع (نفق تانا – بليز): بولاية أمهرة الإثيوبية (500 كم شمال أديس أبابا)، على أحد روافد النيل الأزرق، اكتمل في مايو 2010م، ويستمد مياهَه من بحيرة تانا، ويهدف إلى إنتاج طاقةٍ كهربيةٍ بقدرة ٤٦٠ ميجاوات، ويساهم في زراعة 250 ألف فدان.
- و (سدّ تكزّي): سدٌّ ضخم على نهر العطبرة، ارتفاعه 188 متراً، وافتُتِحَ في 14 نوفمبر 2009م، ويولّد نحو 300 ميجاوات من الطاقة.
شكل (2)
السدود والقناطر الرئيسة بحوض النيل (شراقي 2010م، عن: Waterwiki,2010)
وبلغ عدد المشروعات الهيدروليكية المقترحة بحوض النهر 27 مشروعاً، تتوزعُ بواقع 8 مشروعات في إثيوبيا، و 7 مشروعات في السودان وجنوب السودان، و 6 مشروعات في أوغندا، و 4 مشروعات في كينيا ورواندا، ومشروع في الكونغو، وآخر لصالح رواندا وتنزانيا وبوروندي.
ج - حالة التنمية وبعض مؤشراتها بدول الحوض:
جاءت دولُ حوضِ النيل في ترتيبٍ متأخرٍ في (دليل التنمية البشرية العالمي / عام 2012م): مصر (112)، كينيا (145)، تنزانيا (152)، أوغندا (161)، رواندا (167)، السودان (171)، إثيوبيا (173)، بوروندي (178)، إريتريا (181)، وجمهورية الكونغو الديموقراطية التي جاءت في المرتبة الأخيرة عالمياً (186).
وبذلك تقع ستٌّ من دول الحوض ضمن أقلّ عشرينَ دولةٍ بالعالم في (دليل التنمية البشرية).
1 - معدل النمو والحالة الاقتصادية لسكان حوض النيل:
يعرض ذلك الجدول (2):
جدول (2)
الأبعاد المكانية لمؤشرات الحجم، ومعدل النمو، والحالة الاقتصادية، لسكان دول حوض النيل
الدولة |
عدد السكان: مليون نسمة (2012م)(1) |
معدل النمو السكاني 2000/2012م (% سنوياً)(2) |
الدخل القومي الإجمالي بمعادلة القوة الشرائية للدولار(2) |
نسبة السكان دون خط الفقر الدولي (1.25 دولار/يوم)(3) |
نسبة السكان دون خط الفقر الوطني(3) |
|
الإجمالي (بليون دولار) |
نصيب الفرد (دولار/ نسمة) |
|||||
مصر |
83.958 |
1.8 |
536.3 |
6.640 |
1.7 |
22 |
السودان |
36.108 |
2.4 |
75.3 |
2.030 |
** |
** |
جنوب السودان |
9.615 |
2.8 (*) |
** |
** |
51.0 (*) |
** |
إثيوبيا |
86.538 |
2.7 |
104.2 |
1.140 |
39 |
38.9 |
إريتريا |
5.581 |
3.7 |
3.4 |
560 |
** |
** |
بوروندي |
8.749 |
3.2 |
5.5 |
560 |
81.3 |
66.9 |
كينيا |
42.749 |
2.7 |
76.1 |
1.760 |
43.4 |
45.9 |
الكونغو الديموقراطية |
69.575 |
2.8 |
24.5 |
370 |
87.7 |
71.3 |
رواندا |
11.272 |
2.6 |
13.9 |
1.250 |
63.2 |
44.9 |
تنزانيا |
47.565 |
2.8 |
73.6 |
1.590 |
67.9 |
33.4 |
أوغندا |
35.621 |
3.4 |
41.4 |
1.140 |
51.5 |
31.1 |
الإجمالي |
437.331 |
- |
954.2 |
- |
- |
- |
Source:
(1) Nile Basin Initiative (NBI), State of the River Nile Basin, 2012.
(2) The World Bank, World Development Report, 2014.
(3) UNDP, Human Development Report, 2013.
(*) معدلات النمو للفترة (2000م - 2005م) (UNDP - 2013)، نسبة السكان دون خط الفقر الدولي (NBI, 2012).
(**) بدون بيانات.
ويتضح من تحليل جدول (2) ما يأتي:
■ بلغ إجمالي حجم السكان بدول حوض النيل 437.3 مليون نسمة عام 2012م، يعيش نحو 55% منهم في إثيوبيا ومصر والكونغو الديموقراطية، وفي ظلّ متوسط معدل النمو السكاني السنوي الحالي بالحوض (2.81%) سوف يبلغ الحجم السكاني قرابة 597 مليون نسمة بحلول عام 2025م.
■ ارتفعتْ نسبةُ سكانِ الحوض الذين يعيشون دون خط الفقر الدولي (1.25 دولار يومياً)، حيث زادت على 80% في كلٍّ من: بوروندي والكونغو اللتين ارتفعت فيهما كذلك نسبةُ السكان - دونَ خطّ الفقر الوطني - إلى ما يزيد على ثلثي جملة السكان، وتجاوزت النسبة 60% في كلٍّ من: رواندا وتنزانيا، وتعدت 50% في أوغندا وجنوب السودان.
2 - موارد المياه بأقطار الحوض، ومستويات العجز والفائض بها:
يعرض تفاصيل ذلك الجدول (3):
جدول (3)
موارد المياه العذبة المتجددة، ومتوسط نصيب الفرد منها، بدول حوض النيل
الدولة |
إجمالي موارد المياه العذبة المتجددة (2013)(1) |
متوسط نصيب الفرد (م3/سنة)(2) |
نسبة الاعتماد على الموارد المائية الخارجية (%)(3) |
مصر |
57.3 |
682.48 |
96.9 |
السودان |
64.5 |
1410.67 |
76.9 |
إثيوبيا |
122.0 |
1409.79 |
0 |
إريتريا |
6.3 |
1128.83 |
55.6 |
بوروندي |
12.5 |
1428.73 |
0 |
كينيا |
30.7 |
718.15 |
33.1 |
الكونغو الديموقراطية |
1283.0 |
18440.53 |
29.9 |
رواندا |
9.5 |
842.80 |
0 |
تنزانيا |
96.3 |
2024.60 |
9.9 |
أوغندا |
66.0 |
1852.84 |
40.9 |
الجملة |
1748.1 |
3997.20 |
- |
Source:
(1) The World’s Water, Volume 8, Available at :(http://worldwater.org)
(2) من حساب الباحث، اعتماداً على أحجام السكان عام 2012م.
(3) FAO, Review of World Water Resources by Country, 2003.
يتضح من الجدول (3) ما يأتي:
■ بَلَغَ حجم موارد المياه العذبة المتجددة سنوياً بدول حوض النيل 1748.1 مليار م3، وارتفع المتوسط الافتراضي لنصيب الفرد منها إلى 3997.2 م3/سنوياً.
■ تبايُنُ التوزيعِ الجغرافي لموارد المياه العذبة المتجددة بدول الحوض، حيث تصدَّرَت: (الكونغو وإثيوبيا وتنزانيا) دولَ الحوض؛ فبلغت: (1283 و 122 و 96.3 مليار م3/سنوياً) على التوالي، وهو يمثّل 85.9% من إجمالي المواردِ المائية المتجددة.
■ تبايُنُ متوسطِ نصيب الفردِ من الموارد بدول الحوض بشكل كبير، فبينما وصل إلى 18.44 ألف م3/فردٍ في الكونغو؛ انخفض إلى ما دون خط الفقر المائي (1000 م3/ فرد/سنة) في (روندا وكينيا ومصر)، حيث بلغ فيها (842.8 و 718.2 و 682.5 م3/فردٍ) على التوالي، في حين تراوَحَ بين (1000 و 2000م3/ فردٍ) في بقية دول الحوض.
■ جاءت مصر والسودان في مقدمة دول الحوض من حيث الاعتماد على الموارد المائية الخارجية (من خارج القُطر)، حيث بلغت (96.9 % و 76.9%) بكلٍّ منهما - على التوالي -، (انظر: شكل 3).
3 - نصيب الفرد من الموارد المائية الكلية بدول حوض النيل:
شكل (3)
نصيب الفرد من الموارد المائية الكلية المتجددة سنوياً، ونسبة الاعتماد على الموارد المائية الخارجية، بدول حوض النيل
يلاحظ انخفاض متوسط نصيب الفرد من الطاقة الكهربائية بدول حوض النيل بشكلٍ واضحٍ في أغلبها، كما يأتي:
■ انخفضت بوضوحٍ نِسَبُ اتصالِ السكان في ريف دول حوض النيل بشبكات الكهرباء؛ إذ لم تتجاوز 10% من إجمالي السكان، سوى كينيا (12%) ومصر (99%)، وارتفعت – نسبياً - في القطاع الحضري؛ فتراوحت بين (40 و 60%) في: (أوغندا، وتنزانيا، والكونغو، وكينيا، وإريتريا)، وتجاوزت (60%) في: (السودان، وإثيوبيا، ومصر)، بينما تخلفت بوروندي (26%)، وجنوب السودان (17%)، ورواندا (12%).
■ بينما يُقدّرُ متوسطُ استهلاكِ الفرد الذي يعيش في مستوىً متوسط بنحو ٥٠٠ كيلووات ساعة/سنة (8)؛ جاءت جميع دول الحوض دون ذلك، وبخاصة إثيوبيا (25.3 كيلووات/ساعة)، ولم يتجاوزه من دول الحوض سوى مصر (1.072.5 كيلووات ساعةٍ/سنةٍ)، (انظر: جدول 4).
جدول (4)
متوسط نصيب الفرد من الطاقة الكهربائية في بعض دول حوض النيل (2001م)
الدولة |
نسبة اتصال الريف بشبكة الكهرباء-2010م% |
نسبة اتصال الحضر بشبكة الكهرباء-2010م% |
متوسط استهلاك الفرد السنوي من الكهرباء (كيلووات ساعة/نسمة) |
مصر |
99 |
100 |
1.072.5 |
السودان |
7 |
60 |
74.2 |
جنوب السودان |
1 |
17 |
* |
إثيوبيا |
2 |
86 |
25.3 |
إريتريا |
3 |
57 |
* |
بوروندي |
3 |
26 |
* |
كينيا |
12 |
51 |
120.3 |
الكونغو الديموقراطية |
0 |
45 |
82.3 |
رواندا |
2 |
12 |
62.1 |
تنزانيا |
2 |
40 |
* |
أوغندا |
6 |
40 |
* |
Source:
(1) Nile Basin Initiative (NBI), State of the River Nile Basin, 2012.
(2) Ofid, Energy Poverty in Africa, Proceedings of a Workshop held by OFID in Abuja, Nigeria, June 8-10, 2008.
(*) بدون بيانات.
وبذلك؛ فإنه على الرغم من وفرة الموارد المائية المتجددة بحوض النهر؛ فإنه يُعوِزُها الإدارة وحسن الاستغلال، سواء المباشر (بالتخزين وتقليل الفاقد) أو غير المباشر (عبر توليد الطاقة)، فعلى سبيل المثال: تُقدّر إمكانيات توليد الطاقة الكهرومائية في دولة الكونغو الديموقراطية بنحو ٥٥٠ تيراوات/ساعة (9)، وهو ما يزيد على احتياجات دول الحوض – جميعاً - من الطاقة الكهربائية!
ثانياً: الاستغلال المائي والضغوط الهيدروبوليتيكية:
أ – الاستغلال المائي:
تتفاوت معدلات السحب والاستهلاك السنوي للموارد المائية بين دول حوض نهر النيل، فَتَصِلُ جملةُ السحب السنوي للمياه بالحوض إلى 81.05 مليار م3، أغلبُها من مصر والسودان بنسبة 91.5%، ويستأثر القطاع الزراعي بالنسبة الأكبر من معدلات السحب، فمتوسط سحب الأنشطة الزراعية 74.6%، والمعيشية 20.4%، وينخفض إلى 5% في النشاط الصناعي (10).
وتتميز الزراعة بأنها (مطرية) مطلقة في المنابع، وهي - على النقيض تماماً – زراعةُ (ريٍّ) مطلقة في المصب، وبين هذا وذلك نجدُها تجمع بين النمطين في وسط السودان، وبذلك؛ تجد الزراعة في نطاق المنابع كفايتَها من الماء دون أدنى حاجةٍ إلى ماء الري، بل تصبح المشكلة في بعض الأحيان هي إفراطُ المطر، وإذا كانت هناك جيوبٌ تعاني الجفاف بهذا النطاق؛ فهي مناطقُ المرتفعات العالية (11).
إلا أنَّ هناك ميزةً حاسمةً بنطاق المنابع يتفوق فيها خارج كلّ مقارنة، فبحكم تركيبه الجغرافي كهضاب شاهقة؛ فإنَّ توليد الكهرباء يصبح الشكل الأمثل، وربما الأوحد، لاستغلال مياه النهر (12).
ب – الضغوط الهيدروبوليتيكية:
شهدت العقود الأخيرة – بعد الاستعمار - دخولَ (المسألة المائية لنهر النيل) بوصفها قضية ضمن سياسات دول حوض النيل الاقتصادية، وأصبحت المشروعات التنموية التي تتبناها دول حوض النيل مجالاً للتأويل السياسي، بل استُخدمتْ - ولا تزال - سلاحاً سياسيّاً، حتى في صراع المعارضة مع حكوماتها، في كلّ بلد في حوض النهر، ولم يكن ذلك - في الحقيقة - من فعلِ دول حوض النيل، وإنما كان من إيعاز الاستعمار الخارجي، وبخاصة في العصر الحديث.
لقد كان المستعمرُ على وعي تامٍّ بأهمية المنابع كورقة للضغط والمساومة السياسية، يذكر (ويلكوكس) - المهندس الإنجليزي الشهير في مصر - إلى القول بأنّ «كلّ حاكم يسيطر على بحيرة فيكتوريا؛ يملك بيده زمام الحياة لمصر»، ومن آراء (صاموئيل بيكر) - الذي كانت معارفه عن النيل حُجّةً في أواخر القرن 19، وكان يُصِرُّ على الخطر المُحْدِقِ بمصرَ لو تَرَكَت السودان – أنه «لو استولى عدوٌّ متمدن، أو شبه متمدن، على الخرطوم؛ فإنه يمكنه أن يُحَوِّلَ مجرى مياه الرهد، والدندر، والنيل الأزرق، والعطبرة، ويبعثر مياهها في الصحراوات، مما يؤدي إلى الهلاك المحقّـق» (13).
ومارس الاستعمارُ البريطانيُّ دوراً مزدوجاً بالغَ الخبثِ؛ فقد كان يُوعِزُ إلى الآخرين بفكرة الادعاءات بالحقوق المائية، أو التلميح إليها، وفي الوقت نفسه كان يتقدّم إلى مصر – نفسها - في ثوب المدافع الصلب عن (حقوقها المشروعة) ضدّ هذه الادعاءات المزجاة، لينال امتنانها ويكسب تمسكها بحمايته (14).
وعاوَدَ ممارسة اللعبة في صورة مختلفة فيما بعد في السودان وشرق إفريقيا، حيث كانت السياسة البريطانية المخططة هي: الإكثار من السدود والخزانات والمشروعات المائية والزراعية في السودان؛ بما يُفضِي إلى تخفيض مستوى النيل بشكل يتعذّر معه مَلء الحياض، ويُفاقِمُ من خطر الجفاف في سِني الفيضانات الشحيحة، ولعل مثل هذه الحال هي إحدى البواعث على تشييد قناطر نجع حمادي (15).
وتطبيقاً لهذه السياسة؛ تَمَّ - تحت السيطرة البريطانية - إنشاءُ خزانيْنِ للمياه في السودان، وهما: (خزان سنار) على النيل الأزرق لصالح السودان، والآخر (خزان جبل الأولياء) على النيل الأبيض لصالح مصر.
وتَقنِيناً لذلك؛ فرضت بريطانيا على مصر (اتفاقية مياه النيل) سنة 1929م، والتي كان فيها إجحافٌ واضحٌ بمصالح مصر، وضغطٌ حادٌّ عليها، وقد أعطت بريطانيا مزيداً من التحكم في مياه النيل (16).
وامتداداً لذلك؛ عَمَدَت بريطانيا قبل تركها (أوغندا – كينيا - تنزانيا) إلى تأليبها على مصر مائياً، للمطالبة بحصصٍ في مياه النيل، وهو ما ظهر جليّاً في عملية تمويل السدّ العالي، فقد كانت إحدى الذرائع التي تَعَلّلَ بها الغربُ (الولايات المتحدة وبريطانيا) لسحب عَرْضِهِ قَرْض تمويلِ السدِّ - بعد أن كان قد وافق عليه فنيّاً وهندسيّاً - هي ما زَعَمَهُ من أنه يضرُّ ببعض الدول الواقعة في حوض النيل (17)!
إلاَّ أنَّ تأجيج الصراع على مياه النيل بين دول الحوض لم ينتهِ بانتهاء الاستعمار، أو يتوقف عند المصالح الغربية بالمنطقة، وإنما واصلته (إسرائيل) كوكيل استعماري؛ بتوسيع تحالفاتها بمنطقة المنابع للضغط على مصر منذ بداية السبعينيات.
وتحاول (إسرائيل) من خلال تهديد الأمن المائي لمصر والسودان توسيعَ معركتها مع العالم العربي؛ للتخفيف من عبء جبهة المواجهة المباشرة مع (إسرائيل)، ولإضعاف الدول العربية الكبرى، مثل مصر، بشكل غير مباشر.
وتعتمد (إسرائيل) لتحقيق ذلك على سياسة إثارة الخلافات السياسية بين الأقطار العربية النيلية (مصر والسودان) ونظيراتها الإفريقية، واستغلال البعد الاقتصادي، وذلك لتأمين سيطرتها على مشروعات الريّ والمياه في دول الحوض، وقد نجحت بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في تأمين سيطرتها على بعض مشروعات الريّ في منطقة البحيرات، من خلال تقديم الشركات (الإسرائيلية) الدعم الفني والتكنولوجي والهندسي لها، وتنمية العلاقات التجارية بين (إسرائيل) ودول الحوض (18).
ثالثاً: سدّ النهضة (الألفية) الإثيوبي - الدوافع والتداعيات:
تَشغَلُ إثيوبيا المكانة الأكثر أهمية بالنسبة لكلٍّ من مصر والسودان، إذ أنَّ أكثر من 85% من إجمالي الإيراد السنوي لنهر النيل عند أسوان يأتي من الهضبة الإثيوبية (النيل الأزرق – العطبرة – السوباط).
وقد أعلنت إثيوبيا (رفضها المطلق) لاتفاقيات تقسيم مياه النهر، وعلى الأخصّ اتفاقية 1959م بين مصر والسودان التي تنصّ على (الحقّ التاريخي المكتسب) في مياه النيل، وأعلنت أنها سوف تحتفظ - لاستعمالها الخاص مستقبلاً - بموارد النيل وتصريفاته في الإقليم الإثيوبي، بينما قد وقّعت مع مصر - في يوليو 1993م - إطاراً للتعاون والاتفاق على استخدام مياه النيل على أساس مبادئ القانون الدولي، والامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يخصّ النيل، وأن يلتزما بالتشاور والتعاون في المشاريع ذات الفائدة المشتركة (19)!
وكانت جامعة أديس أبابا قد نشرت في عام 1984م دراسةً؛ أَوْضَحَ فيها صاحبُها أنّ «إثيوبيا تتحكم تماماً، بفضل النيل، في كلٍّ من مصر والسودان، وأنه يكفي التصرف في 10% من المياه المخصّصة للريّ في البلدين؛ لكي يصبح ذلك مسألة حياة أو موت» (20)، وبدأت إثيوبيا في ترجمة ذلك من خلال سلسلة السدود التي شرعت في إنشائها على منابع النيل بأراضيها، وبالأخصّ على النيل الأزرق الذي يتدفق عبره نحو 48 مليار م3 من المياه سنوياً باتجاه السودان ومصر، ويُعدّ سدّ النهضة الإثيوبي الكبير (21) (GERD) أو سدّ الألفية (MD) أحدَ أكبرِ هذه السدود، ويستهدف السدُّ توليدَ الطاقة الكهربائية بقدرة 6 آلاف ميجاوات سنوياً.
ولا شك أنّ لإثيوبيا - كما لسائر دول الحوض الأخرى - الحقّ في التنمية وتحقيق وفورات في مجال الطاقة الكهربائية، ولكن من الصعوبة تَــفَهُّمُ شُروعِ الجانبِ الإثيوبي في إنشاء السدّ بينما توجد بدائل تحقّق غايته التنموية أخفّ ضرراً وأقلّ خطورة منه.
وقد أظهرت دراسةٌ، أجراها (مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي) فيما بين عامي 1959م و 1964م، أنه لا توجد أراض في حوض النيل الأزرق تمكن زراعتها، وإنما توجد أراض في الهضاب المحيطة يمكن توصيل الماء إليها وزراعتها، وعلى الأخص حول بحيرة تانا، وحول رافدي الانجار والفنشا، وعلى الحدود الإثيوبية - السودانية، وتبلغ مساحة هذه الأراضي نحو مليون فدان، ويتطلب رَيُّها حوالي 6 ملياراتِ م3/السنة، ورَكَّزَ التقرير في إمكانيات استخدام مياه النيل الأزرق لتوليد الكهرباء، واقترح بناء أربعة سدود كبيرة بقطاع المجرى الأدنى من النيل الأزرق في الأراضي الإثيوبية، وهي: سدود (كارادوبي، ومابيل، ومندايا، والحدود)، وتبلغ سعتُها التخزينية مجتمعةً (22) 73.104 مليار م3، كما يبلغ إجمالي الطاقة التي يمكن توليدها - من خلالها - إلى حوالي 5500 ميجاوات.
كذلك؛ تقدّمت الحكومتان المصرية والسودانية بمقترح آخر، يتضمّن إنشاء خزان قبل موقع شلالات (تسيسات) على النيل الأزرق، يرفع منسوب التخزين في بحيرة تانا 10 أمتار كاملة، وتتجلى وجاهة الفكرة في توفيرها نحو 10 مليارات م3 من المياه، تُفقد بالتبخر سنوياً في بحيرة ناصر عند أعلى منسوب للتخزين، وهو أعلى بكثير من الفاقد بالتبخر في قطاع بحيرة تانا، كما تُعدّ شلالات تسيسات (25 كم من مخرج النهر، من بحيرة تانا) موقعاً مثالياً لإقامة محطة لتوليد الكهرباء (23).
وأيضاً اقترح الجانب المصرى - عبر اللجنة الدولية للخبراء - الرجوعَ إلى الأبعاد الخاصة بـ (سدّ الحدود) ذي السعة التصميمية 14.5 مليار م3 وارتفاع 90 متراً، والسابق دراستُهُ في مشروع تجارة الطاقة بالنيل الشرقي، مع الاتفاق على شروط المَلء التي تمنع حدوث أي آثار سلبية على مصر، إلا أنَّ إثيوبيا قد استغلت انشغال المصريين بالشأن الداخلي وغيرت مواصفاته ليصبح ارتفاعه 145 متراً، وزادت سعته التخزينية لتصل إلى 74 مليار م3، ثم شرعت في بنائه.
ويرى العديد من الخبراء أنّ المشروع ينبغي أن يكون أصغر حجماً لتحقيق الكفاءة وتقليل التكلفة، على النحو المقترح من الجانب المصري، وقد ذكر Asfaw Beyene (24) - أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة ولاية سان دييجو (كاليفورنيا) - أنَّ السدَّ قد زِيدَ في حجمه بنسبة 300% عمّا ينبغي أن يكون عليه؛ ومن ثمّ فأكثر من نصف التوربينات نادراً ما ستُستخدم! ووفقاً لمتوسط التدفق المائي السنوي بالنهر وارتفاع السدّ؛ فإنّ القدرة الإنتاجية للسدّ على توليد الكهرباء تبلغ 2000 ميجاوات، وليس 6000 ميجاوات، إلا أنّ النظام قد تم تصميمه لمعدل تدفق الذروة، وهو ما يحدث خلال موسم سقوط الأمطار الذي يتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر فقط! كما تشير الدراسات الهيدرولوجية إلى أنّ الفاقد المائي بخزان سدّ النهضة يُقدّر بحوالي 3 مليارات م3؛ بما يعادل كمية الأمطار التي تسقط بمصر ثلاث مرات (25).
بناءً على ما سبق؛ فما دواعي توليد الطاقة عبر تشييد سدّ النهضة بسعته التخزينية الضخمة غير المبررة؛ مع ما تشير إليه الدراسات من انخفاض الكفاءة الإنتاجية للسدّ من الطاقة (حوالي 30%)، ووجود بدائل أكثر أماناً، لها القدرة على توليد الطاقة اللازمة؟!
شكل (4)
حوض النيل الأزرق، والسدود على مجاريه، والموقع الجغرافي لمشروع سدّ النهضة الإثيوبي، والسدود المخطط لها أمامه
(عن: عباس محمد شراقي، 2010م- Awulachew,S.B,et al, 2008)
وتؤكد المصادر أنّ سدّ النهضة لن يكون بديلاً عن مجموعة سدود المجرى الأدنى للنيل الأزرق بالأراضي الإثيوبية، ولكنه سيكون واحداً منها، بديلاً عن سدّ الحدود (أو بوردر)، وأنّ السدود الثلاثة الأخرى التي اقترحها (مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي): (كارادوبي، ومابيل (26)، مندايا) ستكون مكملة له، وسيجري إنشاؤها وفق الإطار الزمني المحدد (راجع: الجدول 1 - وشكل 4)، ومن المتوقع أن ترتفع سعة التخزين الكلية بقطاع المجرى الأدنى للنيل الأزرق، عبر سلسلة سدود النهضة (الجاري والمخطط إنشاؤها)، لتصلَ إلى حوالى 150 مليار م3، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف إيراد النيل الأزرق؛ وهو ما يضاعف من كمية المياه المطلوب حجزها لملء خزاناتها.
ويصل الإنتاج الإثيوبي من الطاقة الكهربائية إلى 2.128 ميجاوات (عام 2011م)، وسوف يزيد مع إضافة الطاقة المولدة عبر سدود نهر أومو Omo المتجه نحو بحيرة توركانا (كينيا)؛ حيث يجري العمل في السدّ الثالث (Gibe-III) لتوليد 1870 ميجاوات، وينتهي العمل به مع نهاية العام الجاري.
وقد أعلنت المؤسسة الإثيوبية للطاقة الكهربائية أنه بنهاية عام 2015م سيكتمل بناءُ ثمانية مشروعات لتوليد الطاقة الكهربائية، وأنّ هذه المشروعات ستولِّد – مجتمعة - 5.000 ميجاوات تقريباً، تزيد على 10.000 ميجاوات بحلول 2017م مع اكتمال سدّ النهضة.
ومن المفارقات إعلان الجانب الإثيوبي عن مشروع لتصدير الطاقة إلى دول الجوار (داخل الحوض وخارجه)؛ بينما تعاني الدولة فقراً مدقعاً في الطاقة - كما سبق -، وبخاصةٍ مع حجمها السكاني الكبير، ومعدلات نموّها المرتفعة، وافتقارها إلى الشبكات اللازمة لتوصيل الكهرباء إلى المدن والقرى الإثيوبية المتناثرة عبر مسافات شاسعة في تضاريس وعرة، وظروف مناخية معقدة!
وبينما يفتقر مشروع بهذا الحجم إلى العديد من الدراسات الأساسية - بحسب تقرير لجنة الخبراء - يتشبث الجانب الإثيوبي بالمضي قدماً في استكماله، فلم ينتظر نتائج تقرير اللجنة الثلاثية (2013م)، ولن ينتظر تقرير اللجنة الثلاثية (الوطنية) وقرار المكتب الاستشاري (سبتمبر 2014م - مارس 2015م)!
وكان المشروع ولا يزال باعثاً للقلق الشديد، في دولتَيْ المصبّ – لا سيما مصر - بشأن حقوقهما التاريخية المكتسبة، التي لا تزيد على 74 مليار م3، بنسبة 4.2% فقط من إجمالي الموارد المائية المتجددة سنوياً بدول الحوض، فضلاً عن الأخطار والتهديدات الناشئة عنه (27).
أهم الأخطار والتهديدات الناشئة عن بناء سدّ النهضة الإثيوبي:
■ يُعطي السدّ سيطرة أكبر لإثيوبيا على تدفق إمدادات النهر، خصوصاً في ظل مُعامِل استيعاب السدّ الذي يصل إلى 1.3 (28)، كما أنه لن يكون السدّ الأخير على النيل الأزرق أو على غيره (29).
■ تتميز أنهار الحبشة - أثناء موسم الفيضان - بغزارة المياه، وتسهم سرعة اندفاعها وحمولتها من المفتتات كبيرة الحجم واصطدامها المتكرر بجسم السدّ إلى تقليل عمره الافتراضي، وتهديده بالانهيار، كما أنَّ كثافةَ الإرسابات الطميْيِّةِ كفيلةٌ بإطماء أي سدّ، ليفقد بعدها سعته التخزينية، ويحيل الماء عليه إلى طوفان مهلك.
■ تمثّل عملية ملء الخزان الضخم المرتبط بالسدّ أمراً مثيراً للجدل، له تداعياته الخطيرة على الأمن المائي في مصر، التي تعتمد بشكل كليٍّ – تقريباً - على النهر، فإذا ما استغرقت فترة الملء من (5 - 7) سنوات؛ فإنّ مَلء الخزان بسعته الإجمالية (74 مليار م3) يعني خفض تدفقات المياه القادمة من النيل الأزرق إلى مصر من 10.6 مليارات م3 إلى 14.8 مليار م3، بنسبة بين (19٪ - 27٪) من الحصة المائية السنوية لمصر خلال تلك الفترة، ووفقاً لحصة الزراعة - في الميزانية المائية المصرية، والمساحات الزراعية القائمة - فإنّ كلُّ ستة مليارات م3 من المياه تَنْقُصُها الحصةُ تعني بوار مليون فدان، إنْ لمْ يتم تعويضها من الموارد الاحتياطية، هذا في الوقت الذي تشهد فيه مصر عجزاً بالميزانية المائية العامة (يصل إلى 29.2 مليار م3 بحلول عام 2025م) (30)، وانخفاضاً – متواصلاً - في متوسط نصيب الفرد من المياه إلى ما دون خط الفقر المائي.
■ دَأَبَت وزارةُ الريّ المصرية على تشغيل السدّ العالي عند مناسيب مرتفعة نسبياً؛ لزيادة الأمان ضد الجفاف، ولكن مع بناء سدّ النهضة قد تضطر لتشغيله على مناسيب أقلّ؛ لتعويض فاقد البخر في سدّ النهضة، بتقليل البخر من بحيرة ناصر؛ مما يقلل من الأمان ضدّ السنوات الشحيحة، والتي يمكن أن تزداد حدتها مع إمكانية التخزين بنطاق المنابع. وفي الوقت نفسه - كما أفاد التقرير النهائي لأعمال اللجنة الدولية للخبراء - تشير الدراسات الإثيوبية إلى أنَّ مَلْءَ الخزان في فترات الفيضان العالية والمتوسطة سيكون له تأثير في الكهرباء المولّدة من السدّ العالي. وفي حالة ملء الخزان في فترات الجفاف سيصل منسوب السدّ العالي إلى أقلّ منسوب له لمدة أربع سنوات متتالية؛ مما سيكون له تأثير بالغ في توفير المياه اللازمة للري، وعدم القدرة على توليد الكهرباء لفترات طويلة، ومن المُقَدَّر أن تُواجه الطاقةُ المولدة من السدّ العالي خفضاً تبلغ نسبته 6٪ (31).
■ سيكون للسدّ تأثير سلبيّ في السودان، الذي سوف يُحرم من الطمي - مثلما هي الحال في مصر - وانعكاس ذلك على تدهور التربة، وصناعة الطوب. كما أنّ موقع السدّ الحالي بالقرب من الأخدود الإفريقي العظيم النشط تكتونياً، وفي مناطق تتميز بشدة الانهيارات الصخرية، وزحف التربة، وتدفق الطمي؛ قد يسبّب فشلاً للمشروعات المائية، كالانهيار الذي حدث لنفق مشروع جيبي الثاني. كما أنّ مَلء بحيرة السدّ بسعتها الضخمة التي تبلغ 74 مليار م3 سوف يُحدث ضغطاً عظيماً على القاع؛ مما يُنذر بحدوث نشاط زلزالي في محيط البحيرة، ويهدّد أيضاً بانهيار السدّ، وتدمير سدَّي الروصيرص وسنار السودانيين، وغرق المناطق الواقعة في مسار النهر (32).
رابعاً: فرص التعاون والعمل المشترك بين دول حوض النيل:
■ إدارةُ مياهِ النيلِ إدارةً فعالةً، لتعظيم الاستفادة من المياه بدول الحوض، عبر مشروعات حصاد الأمطار، وتقليل الفاقد المائي (الذي يصل إلى 92% من إجمالي إيراده).
■ ضرورةُ السعيُ إلى إيجاد تسوية مقبولة للمشكلات العالقة، على أن تجري المفاوضات على مستوى رؤساء الدول والحكومات.
■ التفاوضُ الجادُ بشأنِ فترة ملء خزان سدّ النهضة، وتمديد هذه الفترة لأطول مدّة ممكنة؛ لتقليل الأثر السلبي الناشئ عنها على الميزانية المائية المصرية، مع ضرورة إعداد استراتيجية داخلية للمياه في كلّ بلد، وفي مصر والسودان على وجه الخصوص.
■ ضرورةُ إيجادِ مصالح اقتصادية مشتركة بين دول الحوض؛ بما ينعكس على دعم السياسة المصرية، ومصالحها مع دول الحوض، فالصادرات المصرية إلى دول الحوض – مثلاً - لا تشكل سوى 3.6% فقط من إجمالي الصادرات، والواردات منها لا تزيد على 0.5% من إجمالي الواردات (2010م) (33)، على الرغم من انضمام دول الحوض - عدا تنزانيا - لاتفاقية السوق المشتركة (الكوميسا).
■ على مصر تحسين علاقتها الاستراتيجية بدول القرن الإفريقي المحيطة بإثيوبيا، وبخاصة العربية منها (الصومال، وجيبوتي)؛ لإحداث نوعٍ من التوازن ضد النفوذ الغربي والإسرائيلي في إثيوبيا، وكذلك على مصر أن تقوم بدور الوسيط بين دولتي شمال السودان وجنوبه، للتصالح بينهما، من أجل استقرار الوضع الأمني؛ لتنفيذ مشروعات أعالي النيل.
الاحالات والهوامش:
(*) مدرس جغرافية البيئة - كلية الآداب / جامعة المنوفية - مصر.
(1) UNEP, Dams and Development Project, Dams and Development-Relevant practices for improved decision-making, A compendium of Relevant Practices for Improved Decision-Making on Dams and their Alternatives, 2007, p. 10.
(2) Chakrapani, G.J.Factors Controlling Variations in River Sediment Loads Current Science,Vol.88, No.4,25 February 2005, p. 573.
(3) Craig, J.F, Large Dams and Freshwater Fish Biodiversity, Contributed Paper, Prepared for Thematic ReviewII.1: Dams, Ecosystem Functions and Environmental Restoration, p.14. URL: (http://www.dams .org).
(4) The World Commission of Dams, Dams and Development A New Framework for Decision Making, Earthscan Publication LTD, London and Sterling, 2000, VA.
(5) Chris de Wet, The Experience with Dams and Resettlement in Africa, World Commission on Dams: Displacement, Resettlement, rehabilitation, reparation and Development, Prepared for Thematic Review I.3: :Displacement, Resettlement, rehabilitation, reparation and development, p. 6.
(6) منظمة الأغذية والزراعة العالمية (FAO).
(7) يبلغ طول السدّ العالي عند القمة 3830 متراً، منها 520 متراً بين ضفتي النيل، ويمتد الباقي على جانبي النهر، ويبلغ ارتفاع السدّ 111 متراً فوق منسوب قاع نهر النيل، وعرضه عند القمة 40 متراً.
(8) عباس محمد شراقي: المشروعات المائية في إثيوبيا وآثارها على مستقبل مياه النيل، مؤتمر (آفاق التعاون والتكامل بين دول حوض النيل: الفرص، والتحديات)، 25-٢٦ مايو/٢٠١٠م، ص 177.
(9) منار عزت محمد، وفاء عبد الكريم محمد: الموارد الاقتصادية للتنمية الاقتصادية في دول حوض النيل ومدى إمكانية التعاون المشترك بينهم، مجلة البحوث الزراعية، الإسكندرية، العدد 58، 2013م.
(10) African Development Bank(A.D.B),African Development Fund,Policy for Integrated Water Resources Managemen, OCOD,April 26,2000.
(11) جمال حمدان: شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان، الجزء الثاني، دار الهلال، القاهرة، 1983م، ص 934.
(12) المرجع السابق، ص 935.
(13) عبد العظيم محمد سعودي: تاريخ تطور الري في مصر (1882م - 1914م)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007م، ص 118.
(14) جمال حمدان، المرجع السابق، ص (926 – 927).
(15) محمد عوض محمد: نهر النيل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001م، ص 288.
(16) جمال حمدان، المرجع السابق، ص 928.
(17) المرجع السابق، ص 930.
(18) وعلى سبيل المثال: تضاعفت الواردات (الإسرائيلية) من إثيوبيا أكثر من ثلاثين مرة خلال السنوات القليلة الماضية.
(19) عبد المالك خلف التميمي: المياه العربية.. التحدي والاستجابة، الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999م، ص 166.
(20) حبيب عائب: المياه في الشرق الأوسط.. الجغرافيا السياسية للموارد والنزاعات، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2009م، ص 150.
(21) يقع سدّ النهضة الإثيوبي بمسارِ النيل الأزرق، على مسافة تقارب 40 كم من الحدود الإثيوبية – السودانية، ويصل ارتفاع السدّ 145 متراً، ويبلغ طوله 1708 أمتار، وتزيد السعة التخزينية للسدّ على 70 مليار م3، ويتطلب إنشاؤه إزالة نحو 1680 كم2 من غابات شمال غرب إثيوبيا، وتهجير 20.000 نسمة من السكان، ومن المقدّر أن تبلغَ التكلفةُ الإجمالية للمشروع 4.8 مليارات دولار (ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي لإثيوبيا عام 2012م، ونحو 60% من الميزانية السنوية للدولة)، ومن المقرر أن يبدأ تشغيله عام 2017م.
Available at:(http://www.internationalrivers.org).
(22) رشدي سعيد: نهر النيل: نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل، الطبعة الأولى، دار الهلال، القاهرة، 1993م، ص (303 – 305).
(23) عبد التواب عبد الحي: النيل والمستقبل، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1988م، ص ص150-152.
(24) Asfaw Beyene, Why is the hydroelectric dam on the Blue Nile, the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD), sized for 6000 MW?, June 19, 2013. Available at: (http://www.Gadaa.com).
(25) Available at:(http://www.internationalrivers.org).
(26) ألغت بعض الدراسات الحديثة سدّ (مابيل)، واقترحت بدلاً منه سدّ (بيكو أبو).
(27) الموقع الإلكتروني الرسمي لمشروع سدّ النهضة الإثيوبي: (http://grandmillenniumdam.net) .
(28) ناتج قسمة السعة التخزينية الحية للسدّ؛ على إجمالي حجم التصريف (الإيراد) المائي السنوي للمجرى.
(29) من الشواهد الدالة على ذلك: انتهاء إثيوبيا - في أبريل الماضي - من إجراء الدراسات اللازمة، لإنشاء سدّ (بارو أكوبو) الجديد على نهر السوباط، والذي سيتسبّب في حجز نحو 6 مليارات م3 من تدفقات مياه النيل المتجهة إلى النيل الأبيض شمالاً.
(30) سامر مخيمر وخالد حجازي: أزمة المياه في المنطقة العربية - الحقائق والبدائل الممكنة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 209، الكويت، ذو الحجة 1416هـ / مايو 1996م، ص 212.
(31) التقرير النهائي لأعمال اللجنة الدولية للخبراء المعنية بدراسة وتقييم دراسات سدّ النهضة الإثيوبي، 2013م.
(32) ومن الأمثلة على ذلك: زلزال بحيرة سدّ هسينج فينج كيانج في جنوب الصين عام 1962م، زلزال بحيرة سدّ كونيا في غرب الهند جنوب بومباي عام 1967م، زلزال بحيرة سدّ أورفيل بولاية كاليفورنيا عام 1975م.
(33) برنامج الأغذية العالمي، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار (مجلس الوزراء المصري)، مرصد الغذاء المصري، الإصدارة رقم 3، نوفمبر 2011م، ص 16.