للقبيلة دور بارز في التاريخ الإفريقي، كما لها أيضًا دور بارز في بناء الأنظمة السياسية، بل في العملية السياسية برُمّتها في أقطار إفريقيا قديمًا وحديثًا؛ وذلك لما تتمتّع به القَبِيلَة والقَبَلِيَّة من حظوظ متوارثة في المجتمعات الإفريقية، التي يُمثّل فيها الانتماء القَبَلِيّ دورًا مهمًّا في نموّ وتطوّر تلك المجتمعات.
يهدف هذه المقال إلى تسليط الضوء على بعض الجوانب الخاصة بقبيلة الكيكويو Kikuyu، إحدى القبائل الكينية، ذات الأصل البانتو، التي ظلت تلعب دورًا جوهريًّا في دولة كينيا، لا سيما في فترة استعمارها مِن قِبَل بريطانيا، وما تلا ذلك من استقلالٍ عنها، بل وحتى اليوم؛ بحيث أصبحت قبيلة الكيكويو -مقارنةً بالقبائل الكينية الأخرى- صاحبة السلطة والثروة في البلاد بلا منازعٍ.
الكيكويو: جدلية الأصل والموطن الأول:
تشير المصادر المختصة في مجال السلالات البشرية في إفريقيا إلى أن الكيكويو ينتمون إلى مجموعة البانتو الشرقيين، وعلى وجه التحديد القسم الشمالي الشرقي منهم، الذي يقسم عادة إلى مجموعة شمالية شرقية، ومجموعة شرقية أصلية (بحتة).
والبانتو الذين ينتمي إليهم الكيكويو هم مجموعة من الشُّعوب التي تعيش حاليًا في أقطار وسط إفريقيا وجنوبها وشرقها. وقد اشتق اسمهم وتَحدَّد على أساس تلك اللغة الخاصَّة التي يتكلمون بها. مع اختلاف موطن نشأتهم، الذي طُرِحَت فيه نظريات عديدة، منها أنَّ موطنهم الأصلي هو منطقة البحيرات العظمى الإفريقية، ومنها منطقة محدَّدة من غرب إفريقيا تقع على مقربة من بحيرة تشاد، يُشار إليها عادة بمنجم لغات إفريقيا، وغير ذلك ممَّا طُرح في هذا المجال.
يقطن الكيكويو حاليًا وسط كينيا، بمرتفعات (جبل) كينيا، ويزعمون أنهم حلّوا هناك محل جماعة من المشتغلين بالصيد، وأنهم أسلاف لقبيلة معروفة في الوقت الحاضر باسم دوروبو Dorobo، وجماعة صغيرة اسمها أغومبا Agumba، وهي من الجماعات التي انقرضت في الوقت الحاضر.
وتنسب قبائل الكيكويو أصولها، على نحو أكثر خصوصية، إلى قبائل أكامبا Akamba، التي تجاورهم في الشمال الشرقي، وتتشابه معها في اللغة والعادات إلى حدّ كبير، ولا تختلف عنها إلا اختلافًا طفيفًا في السّمات الجسمانية.
وفيما يخصّ المكان الأصلي الذي قدمت منه قبيلة الكيكويو؛ تشير “موسوعة المعرفة” إلى أن أصول الكيكويو تعود إلى جماعات أتت من الشمال، من منطقة مرتفعات “نيامبته” إلى جبل كينيا (غيرنياقا) في الشمال الشرقي، والذي يعتبر هو الموطن الأصلي لغالبية الشعوب المتحدثة بالبانتو.
وتقول بعض النظريات: إنهم أتوا مهاجرين من أكسوم (إثيوبيا)، بعد انهيار إمبراطورية أكسوم، وآخرون ينسبونهم إلى “شونقوايا”، الذين يفترض أنهم كانوا في الصومال (الحالية)، ومنهم انحدرت القبائل التسع التي تدعى “ميجيكندا” الساحلية.
ونظرية أخرى تفترض أنهم جاءوا من الغرب (منجم لغات إفريقيا) بعد أن انشقوا عن البانتويين الأوائل في وسط إفريقيا، وهي النظرية الأرجح، على الأقل من منظور الأصل اللغوي.
أما من حيث تأسيس قبيلة الكيكويو؛ فتذهب الأسطورة المنسوبة إليها، إلى أنَّ تأسيسها يعود إلى رجل اسمه “غيكويو” Gikuyu يزعمون أن إلههم “نجاي” Ngai (الذي أخذوه من جيرانهم الماساي) منحه جبل كينيا، حيث يقيم الكيكويو حاليًا، وأمره بالزواج من زوجته “مومبي”، التي رُزِقَ منها بتسع بنات تزوجن برجال قدموا من مكان ما، فانحدرت من نسلهم مجموعات بشرية كثيرة، أصبحت تعرف بقبيلة الكيكويو.
المهم أن المنطقة التي تعيش فيها قبيلة الكيكويو حاليًا في وسط كينيا، حول جبل كينيا، الذي يُطلقون عليه “غيرنياقا”، أي الجبل المشع (يبدو أن التسمية ذات صبغة دينية)، هي المنطقة، التي استوطنوا فيها منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وما يزالون حتى اليوم، يعيشون فيها، كقبيلة بانتوية، تجاور قبائل نيلية وقبائل أخرى مختلفة عنها في الأصل الأول.
الكيكويو: اللغة والممارسات الدينية:
بحكم انتماء الكيكويو العرقي لمجموعة بالبانتو، فمن باب أولى أن تكون لغة الكيكويو لغة بانتوية، وهذا ما أكدته الدراسات المختصة في تصنيف اللغات الإفريقية، والمختصة بصورة أدقّ في اللغات المنتمية إلى الفصيلة البانتوية.
تصنّف لغة الكيكويو ضمن فرع البنوي- كنغو، من أُسرة اللغات النيجركردفانية، كبرى الأسرة اللغوية المتحدثة في إفريقيا (بقسميها النيجر- كنغو والكردفانية)، من منظور مساحة الانتشار (التي تشمل أقطار وسط إفريقيا وجنوبها وشرقها، وبعض أقطار غرب إفريقيا)، ومن منظور عدد اللغات (التي يبلغ عددها في بعض الدراسات نحو 500 لغة، تأتي في مقدمتها اللغة السواحلية)، ومن منظور عدد المتحدثين (الذين على الأقل يبلغ عدد نحو ثلث سكان قارة إفريقيا، البالغ عددهم نحو مليار وثلاثمائة مليون نسمة).
بالإضافة إلى فرع البنوي- كنغو، الذي تنتمي إليه لغة الكيكويو (ومن أشهر لغاته السواحلية، التي تتحدث على الأقل في 12 قطرًا في شرق إفريقيا ووسطها وجنوبها) والدوالا (تتحدث في الكاميرون)، والتيف (تتحدث في نيجيريا)- تشمل أسرة اللغات النيجر كردفانية، في قسمها النيجر كنغو، فروعًا، هي: فرع غرب الأطلسي (ومن أشهر لغاته الفولانية، والولوف)، وفرع الماندي (ومن أشهر لغاته الماندنقو والبمبرا)، وفرع القور أو الفولتا (ومن أشهر لغاته الموسي والتيم)، وفراع الكوا (ومن أشهر لغاته الإيبو واليوروبا)، وفرع أدماوا- أبانقي (ومن أشهر لغاته السنغو والزاندي). مع ملاحظة أن القسم الثاني من هذه الأسرة، وهو الكردفانية، يتحدث فقط في منطقة جبال النوبا في السودان، ويضم مجموعات لغوية عديدة، تمثلها أعداد معتبرة من اللغات؛ ليس هنا مجال الحديث عنها تفصيلاً.
وبالإضافة إلى أن الكيكويو، يتحدثون لغة قبيلتهم، باعتبارها اللغة الأم؛ فإنهم يتحدثون اللغة السواحلية، بوصفها، لغة الانفتاح على المجتمعات القبلية الكينية المختلفة، والمجتمع القومي الكيني، ومجتمعات وسط إفريقيا وشرقها، علاوة على التحدث باللغة الإنجليزية، لمن ارتقوا في سُلّم التعليم بمراحله المختلفة، وهي اللغة الرسمية في كينيا بصحبة اللغة السواحلية.
أما من حيث الممارسة الدينية، فتُحدّثنا المصادر التاريخية بأن للكيكويو قديمًا ديانة قديمة (وثنية)، سبقت دخول المنصّرين الأوروبيين إلى منطقتهم. وذلك أن للكيكويو في ديانتهم الأصلية القديمة إلهًا معبودًا اسمه إنجاي Ngai، وهو مأخوذ من قبيلة الماساي، كما تمت الإشارة من قبل، ولهذا الإله مقرات وأماكن عديدة يقيم فيها، أهمها جبل كينيا، وكذلك بعض أشجار التين البري، التي تُعدّ شجرة مقدسة، معروفة في لغتهم باسم موتيموغوMutimugu ، وعندها -كما هو الحال في جبل كينيا- تُقدّم القرابين إلى الإله إنجاي بوساطة كبار القوم.
وبدخول المنصّرين الأوروبيين إلى منطقة الكيكويو في عام 1888م، -أي قبل استعمار كينيا بنحو سبع سنوات (1895م)- تعلموا لغة الكيكويو، وبدأوا كتابة الأدبيات باستخدام الأبجدية الرومانية، واستجاب الكيكويو بصدر رحب إلى المنصّرين والتعليم الأوروبي. وكانت لديهم زيادة فرص الحصول على التعليم، كما كانت لديهم الفرص متاحة للمشاركة في الاقتصاد، وفي التغيرات السياسية في بلدهم. ونتيجة لذلك ازدهرت أعمال ورموز الأدب لدى الكيكويو، مثل: نجومي واثينقو، وميخا موانغي.
وبذا يكون الكيكويو أول من استفاد من أولئك المنصّرين؛ حيث أتاحوا لهم الفرصة بكتابة لغتهم، والفرص العديدة للتعليم الأوروبي الحديث، وبذلك تهيأوا لنَيْل فُرَص العلم والقيادة في المجتمع الكيني على المستوى السياسي والاقتصادي والتعليمي، بل والأدبي. كما هيَّأ لهم المُنصّرون فرصة التحوُّل من ديانتهم القديمة إلى النصرانية، تدريجيًّا.
وبمرور قرن وثلاثة عقود ونيّف -ابتداءً من 1888م وحتى 2019م-، أثمرت جهود المبشّرين في تنصير الغالبية العظمى من القبائل الكينية، بما فيها الكيكويو، التي تُعدّ المجموعة الإثنية الأولى في البلاد من حيث العدد.
وفي هذا الصدد يخبرنا المكتب الوطني الكيني للإحصاء أنه في العام 2019م كان عدد سكان كينيا 47.600.000، وأن الكيكويو هو المجتمع الإثني الأكبر؛ إذ يمثل 8.148.668 نسمة، وأن 85.5% من سكان كينيا مسيحيون، و11% مسلمون، وما تبقى من السكان يدينون بالديانات التقليدية الإفريقية.
الحق أننا لم نعثر على أرقام محددة، من خلالها يتبين لنا تصنيف الكيكويو دينيًّا، ولكن المصادر في هذا المجال تكاد تتفق على أن الكيكويو يدين أغلبهم بالديانة النصرانية، دون تحديد رقم بعينه، ودون تحديد للطوائف النصرانية، التي ينتمي إليها مجتمع الكيكويو، من بروتستانت، وكاثوليك، إلخ، مع العلم أن كينيا تتميز بغلبة طائفة البروتستانت (حوالي 47.7% من النصارى)، على الكاثوليك (حوالي 23.4% منهم)، وبالطبع على الطوائف المسيحية الأخرى.
الكيكويو: الانتقالية من الزراعة التقليدية إلى زراعة المحاصيل النقدية:
سبق القول: إن الكيكويو يسكنون في وسط كينيا، حول جبل كينيا، ونُضيف هنا أنَّ المنطقة التي يسكنونها، تُشكّل فضاءً من أجود المناطق الكينية، وأكثرها خصوبةً، لذا يزاول أفراد قبيلة الكيكويو الزراعة، بصورة أساسيَّة، وهي الحرفة الأساسية لمعظم القبائل البانتوية الكينية، مثل: الكامبا، واللوهيا، والكيسي، والميرو، وميجيكندا، على عكس القبائل ذات الأصول النيلية، التي تمارس تربية الحيوانات في الغالب.
ومن شدة حرص الكيكويو على حرفة الزراعة، نشاطهم الرئيسي، أنهم يُعلّمونها للأطفال في سنّ مبكرة حتى تظل متوارثة. وبمرور الزمن طوَّر الكيكويو هذه الحرفة، لتصبح مدخلاً لزراعة المحاصيل النقدية، التي تُدِرّ عليهم -عبر تصديرها إلى الأسواق العالمية- العملة الأجنبية، فتزيد من الدخل القومي للدولة.
ظلت الكيكويو تزرع على نحو تقليديّ تاريخيّ عددًا من المحاصيل، لعل أهمها: الموز، وقصب السكر، والدخن، والذرة، والفصوليا، والبطاطا، والكاسافا، كما ظلت تزرع الخضروات (لمقابلة الطلب المحلي)، إضافة إلى ذلك توسعت في زراعة المحاصيل النقدية، مثل: الشاي والبن، لمقابلة الطلب الإقليمي والعالمي.
وبحكم تعدُّد بطون قبيلة الكيكويو، فإنهم في المناطق الريفية، يقتنون الماشية، وهي مقياس الثروة عند أولئك الريفيين، ولديهم أيضًا كثير من الضأن والماعز، وقبل انتشار التعامل النقدي، وسطهم، كانت الماعز وحدة التعامل لدى الكيكيويو، أي العملة المتداولة بلغة العصر.
وحديثًا بحكم تطور بعض مجتمعات الكيكويو، وانفتاح كينيا على عالم السياحة، برزت مجموعات موهوبة معتبرة من الكيكويو في صناعة المصنوعات اليدوية، ذات الطبيعة الفنية المتقنة، مثل التماثيل المنحوتة باستخدام الأيدي، والمجوهرات المصنوعة من الخرز، وغيرها، التي تجد لها سوقًا محليًّا ودوليًّا.
هذا، بالإضافة إلى أنه ظهرت حديثًا مجموعة عديدة من رجال الكيكويو، الذين يعملون في مجالات تتسم بروؤس المال الكبيرة، كرجال أعمال، لديهم مؤسسات وشركات لها دورها في دفع عجلة الاقتصاد الكيني الحديث.
الكيكويو ومقارعة الاستعمار البريطاني:
كانت مناطق كينيا الحالية، بما فيها بالطبع منطقة الكيكويو، حتى منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر عبارة عن مزارع وبحيرات وجبال، ومناطق نفوذ لقبائل لا يكاد يجمع بينها جامع. أمَّا ممبسا فكانت على خلاف ذلك تتنازع سُلطتها في ذلك الوقت عائلتان عربيتان (النبهاني والمزروعي)، تدَّعي كلّ منهما تمثيل دولة السلطنة البوسعيدية الحاكمة في زنجبار.
وفي عام 1895م احتلت بريطانيا كينيا، وإثر ذلك تغيرت حياة الكيكويو بصورة كبيرة تحت تأثير النظام الاقتصادي والتعليمي الغربي؛ إذ استولى البريطانيون الذين استقروا في كينيا على أراضي الكيكويو، وعدُّوها مِلكًا لهم، وعاش الكيكيو في فقر مدقع لتقلُّص أملاكهم، وذهاب خيراتها إلى غيرهم.
وعلى الرغم من أن الكيكويو لم يَسْبق لهم أن اتَّحدوا وكوَّنوا دولة أو كان لهم رئيس أو زعيم له السلطان الكامل على القبيلة كلها؛ إلا أنَّ القبيلة استطاعت أن تُشكّل رابطة الكيكويو المركزية KCA في عام 1924م؛ لمجابهة الاستعمار البريطاني، وقد دافعت عن أجندة قومية في كينيا، والتي تهدف إلى معالجة المظالم الاستعمارية، واتخاذ موقف حازم ضد الملكية الأوروبية للأرض، وبعض جوانب العمل التنصيري في البلاد. وقد تم حظر هذه الرابطة مِن قِبَل الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م). وفي عام 1944م تم إنشاء خليفة لرابطة الكيكويو المركزية، هي الاتحاد الإفريقي الكيني KAU، وكان لجومو كينياتا (1891- 1978م)، الذي ينتمي إلى قبيلة الكيكويو، دور في تأسيسهما، واستمر في الاضطلاع بدور بارز في السياسة الكينية بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي الخمسينيات من القرن الماضي أنشأ الكيكويو، حركة الماو ماو Mau Mau ، التي يرجع الفضل في إنشائها إليهم، والتي أزعجت الاستعمار البريطاني، وبحلول عام 1956م عندما وصلت أحداث العنف إلى نهايتها تقريبًا بين المستعمرين والكينيين، كان عدد القتلى من الكيكويو نحو 11.500، ومن بقية الإفريقيين نحو 2.000، ومن الأوروبيين والآسيويين نحو 145. واعتقلت بريطانيا كثيرًا من الذين أطلق عليهم لقب المتمردين، ومن بينهم جومو كينياتا، قائد الكيكويو. وتم إيداع الآلاف من الكيكويو في معسكرات الاعتقال، بعد تدمير منازلهم.
وفي النهاية أمكن لحركة الماو ماو أن تخلق تعاونًا بينها وبين القبائل المختلفة في كينيا، وإلى جهود تلك الحركة، يرجع الفضل الأول في نيل كينيا استقلالها عن بريطانيا في عام 1963م، بعد نحو 68 عامًا من الاستعمار.
يتضح من خلال ذلك العرض المختصر، في ما يخص الكيكويو ومقارعة الاستعمار البريطاني، أن الكيكويو لهم دور بارز في محاربة الاستعمار، أولاً: لأنه استولى على أراضيهم، التي تُعدّ أخصب أراضي البلاد، بالإضافة إلى أراضي غيرهم. وثانيًا: لأنه أتاح الفرصة لحركة تنصير دينيّ تتعارض مع دينهم التقليدي وثقافتهم القديمة. وثالثًا: لأنه فرض تعليمًا غربيًّا، لا يتناسب مع أعرافهم وتقاليدهم. كل ذلك أسهم في مناهضة الاستعمار البريطاني، لا سيما عبر حركة الماو ماو الشهيرة، التي كان لها الفضل، مع حركات نضالية أخرى، في حصول كينيا على استقلالها عن التاج البريطاني.
أوضاع الكيكويو في دولة كينيا الحديثة:
استطاع الكينيون بقيادة الكيكويو أن يُجْلُوا الاستعمار البريطاني عن بلادهم، ولكنَّ بقاء الاستعمار في تلك البلاد لنحو 68 عامًا، استطاع أن يُلْقِي بظلاله على المجتمع الكيني بصورة عامة، وعلى مجتمع الكيكويو بصورة خاصة، بحكم أنهم المجموعة الإثنية الكبرى في البلاد. لقد ذهب الاستعمار البريطاني، وترك خلفه النصرانية، وترك كذلك التعليم الغربي، كما ترك نُخْبَة من الكينيين، سوف تقوم بتشكيل مستقبل كينيا.
وعلى الرغم من أن الكيكويو أول مَن ناهَض الاستعمار البريطاني، إلا أنهم أول من استفاد من تلك الحقبة، وذلك أنهم انخرطوا في التعليم الغربي، واستفادوا من المكانة المتميزة التي توفّرها لهم النصرانية في مجتمع، تسيطر حاليًا فيه هذه الديانة. وهذه الأولية جعلت منهم قادة المستقبل في كينيا، على المستويات: السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وكل هذا أتاح لهم أن يهيمنوا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا في كينيا منذ استقلال كينيا، عبر السيطرة على الاقتصاد الكيني، وعلى الزراعة، خصوصًا زراعة وتسويق البن.
إضافة إلى ذلك، وفقًا لتقارير إعلامية ثقة، يوجد في كينيا حاليًا، من الكيكويو بعض كبار المتعلمين، والأغنياء، ويعمل كثير منهم في الحكومة والأعمال الحرة، والبعض منهم يمتلك مزارع كبيرة. وتشير بعض التقارير الإعلامية، أيضًا، إلى أن قبيلة الكيكويو تسيطر على مرافق حيوية كالجيش والأمن والمواقع العليا في أجهزة الدولة، إلى جانب حصادها من الامتيازات والاستثمارات عن طريق علاقاتها بالشركات العالمية. بينما لا تتمتع المكونات الأخرى بهذه الامتيازات؛ حيث تحاصر تلك المكونات الإجراءات البيروقراطية، والفساد الإداري، والحزبي للحكومة الكينية، التي جرت العادة أن يسيطر على قمتها الكيكويو.
المهم في هذا السياق، أنه ونظرًا للتنوُّع الديمغرافي للكيكويو، بالإضافة إلى أسباب سياسية واقتصادية أخرى، فإنهم ما يزالون يلعبون دورًا حيويًّا في التنمية السياسية والاقتصادية لكينيا منذ استقلالها حتى اليوم، وهذه ميزة اكتسبوها من خلال ريادتهم في التعليم الغربي، وفي الاستثمارات في مجال الزراعة، ومن خلال تمرسهم في مجال السياسة.
بقي أن نشير هنا إلى بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتميزة، التي يتمتع بها الكيكويو في دولة كينيا في فترة ما بعد الاستقلال حتى اليوم؛ إذ منهم -على سبيل المثال لا الحصر-: جومو كينياتا (أول رئيس لكينيا- الأب المؤسّس لكينيا). ومواي كيباكي (ثالث رئيس لكينيا). وأوهورو كينياتا (رابع رئيس لكينيا). وورنقاري ماثاي (أول امرأة كينية تحصل على درجة الدكتوراه، وأول امرأة إفريقية تحصل على جائزة نوبل للسلام). وباتريك نجومي، محافظ البنك المركزي الكيني. وجونسون جيشيري، رئيس القضاء السابق في كينيا. ونغوجي واثيونج الروائي الشهير في الأدب الإفريقي. وهاري ثوكو، أحد أبطال الاستقلال. وكويقي وا وارمويري، المؤلف والسياسي. وشارلز روبيا، العضو بالبرلمان السابق والناشط السياسي، وعشرات منهم مما يضيق المجال عن ذكرهم.
مجمل القول:
إن قبيلة الكيكويو، التي تُعدّ ضمن 40 مجموعة إثنية في كينيا، والتي تُمثّل ما بين 21- 23% من مجمل السكان (حوالي خمس السكان)، ظلت تمتلك السلطة والثروة، بل السيطرة على الاقتصاد الكيني، لا سيما في فترة ما بعد استقلال كينيا في العام 1963م، حتى الآن 2022م؛ وربما تكون هناك ظروف محددة، هي التي رتَّبت للأوضاع المتميزة، التي تعيشها هذه القبيلة حاليًا؛ في مقدمتها أنها تسكن في وسط البلاد، بخلاف تلك القبائل الحدودية (المتعددة الولاءات)، وأنها تمتلك أخصب الأراضي في البلاد، وأنها أولى القبائل الكينية في انضمام منسوبيها للتعليم الغربي، وما يُتيحه من فرص في إدارة دولاب الدولة، وأنها انتقلت من الوثنية إلى النصرانية، مما أتاح لها تميُّزًا داخل كينيا وخارجها. هذا، إضافة إلى أنها المجموعة الإثنية الكبرى في البلاد.